أفضل ١٥ طريقة لتعليم القراءة للأطفال
كتبها أبو بلج عبدالله العيسري
مؤسس مدرسة القارئ العبقري
قصتي في تعليم القراءة للأطفال
أقول تحدثا بنعمة بأن رحلتي الأولى في تعليم الاطفال القراءة كانت قبل خمسين عاما وكان التلميذ فيها أخي الشقيق محمد بن عامر العيسري؛ كنت آنذاك في سن العاشرة ومحمد في عامه الخامس.
أما المدرسة فهي الكُتَاب القرآني في قريتنا الوادعة السباخ، وأما المشرف على القراءة والكتابة فهو معلمنا المعلم مسعود بن محمد الطوقي رحمه الله.
وفي عام ١٤٢٧هـ وفقني ربي الكريم – جل جلاله – فأنشأت مركز العيسري؛ وقد درس فيه ما يزيد عن ٤٠٠٠٠ طفل؛ سميناهم العباقرة الصغار ومن ثم جاءت مدرسة القارئ العبقري لتكمل المسيرة المباركة لتعليم الاطفال القراءة والكتابة.
في هذه التدوينة سوف أعتصر لكم خلاصة نصف قرن من رحلاتي في تعليم القراءة؛ وقد جعلتها في 15 طريقة أو ١٥ حقيقة كما يحلو لي أن أسميها في تعليم الاطفال القراءة والكتابة.
وقبل أن تشرعوا في القراءة أنصحكم بأن تذكروا الله سبحانه وتدعوه بأن يفتح لكم, وأذكركم كذلك بضرورة حفظ التدوينة والتعليق عليها؛ لأن ذلك يرسّخ ما جاء فيها من فوائد بتعليم طفلك القراءة. وعلى بركة الله نبدأ وبه نستعين على شرح افضل الطرق لتعليم طفلك القراءة.
١٥- تنبهوا للأبعاد الخفية
إن المربي الفطن كالطبيب الحاذق؛ لا يشق عليه التمييز بين (المرض) و (العرض) فما ندعوه ( الضعف القرائي ) هو في كثير من الأحوال (عرض) ناتج عن أبعاد خفية، تسكن في نفس ذلك الطفل، وهو ليس من قبيل ( المرض ) الذي تُجدي معه الإجراءات العلاجية المعتادة.
فقد يكون عرضا ناتجا عن
- عنف الوالدين مع الطفل؛ لاسيما قبل النوم وبعد اليقظة.
- صراع الإخوة.
- الطلاق.
- التحرش الجنسي.
- فرط الحركة الناتج عن كثرة تناول الحلوى أو عن سوء التغذية.
في مدرسة القارئ العبقري نتخذ نوعين من الإجراءات:
– إجراء عارض: نتخذه عندما تظهر على العبقري أعراض الشرود أو الضعف القرائي أو غيرها.
وتختلف هذه الإجراءات من حالة إلى حالة، ولكن يجمعها كلها أنها تبدأ بتشخيص الأبعاد الخفية المحتملة وتنتهي بخطة مشتركة بين البيت والمدرسة
– إجراء دائم: تمثل في إنشاء شركة الحلال الطيب؛ وهي شركة تقدم للعباقرة التغذية الصحية كل يوم.
وقد منعنا إدخال الأطعمة إلى المدرسة منعا باتا؛ كي لا يبدأ العباقرة يومهم بطعام يؤثر على تعليمهم سلبا.
١٤- الأسرة هي المفتاح
نعم.. الأسرة هي المفتاح، فالمعلم مهما فعل دون عون من الأسرة لا يمكن أن يعطي الطفل كل شيء.
إن مدرسة القارئ العبقري وغيرها من والمدارس ورياض الأطفال، مهمّتها أن تقدم دواء الجهل ولكن الإشراف على تناول الدواء ليس من مهامها، بل من مهام الأسرة عموما، والأب خصوصا.
ومن لا يستطيع تخصيص ٥ دقائق من وقته لكل ولد من أولاده، فأنا أقول لك بكل أمانة أنه من الأولى ألّا يدرّسهم على الإطلاق.
١٣- الزمن جزء من الحل
هذه الحقيقة يستوعبها كثير من الناس نظريًا، لكنهم سرعان ما ينسونها حينما يتعلق الأمر بالتطبيق، كيف ذلك؟
يأتيك أحد الآباء، وُهِب طفلا يُعاني من أن مستواه في القراءة أقل من إخوانه الذين سبقوه حينما كانوا في مثل سنّه، أو من أقرانه وأصدقائه وأهله الذين هم في مثل سنّه الآن، أو من الطّلاب الذين في صفّه،فتقول: له يا فلان، إن هذا الأمر مثل المرض، ويحتاج في علاجه إلى أن تصبر، فيقول: صدقت,
ثم ما يلبث أن يشعر بالتبرّم والضيق ويأتي ليسألك بعد مدّة قصيرة لا تكفي لعلاج ذلك الداء العضال ويقول “ها، بشّر، كيف حال ابني الآن؟ إلى أين وصل؟”
إن كثيرا من العباقرة الصغار يدخلون مدرسة القارئ العبقري في سن الثالثة ويستمرون إلى أن ينهوا السادسة.
و طول هذه الثلاث سنوات وهم يدرسون منهج القارئ العبقري، ولا ينهونه إلا في السنة الأخيرة.
ولكنني أقول بأن إنهاءهم المنهج في السنة الأخيرة مع تمكن منه خير وأولى وأحرى من خداع الآباء والأمهات بأن ولدهم قد انتقل إلى القراءة الذكية، فيعطى شهادات الزور ويظهر في وسائل الإعلام بالكذب والمجاملات؛ فهذا ليس فيه مراعاة لمصلحة العبقري، ولا هو من خلق المؤمنين.
١٢- ليصبح قارئًا أرسله يرتع ويلعب
قبل أن نتحدث عن هذه الحقيقة أحب أن أشير إلى مصطلح تربوي لا يتردد في أي فلسفة الأخرى غير الفلسفة الإسلامية، وهو مصطلح الرتع؛
فتجد في ما كُتب حول التربية والتعليم علم نفس النمو في الآداب الغربية كثيرا من المقاربات عن اللعب، ولكنها لا تفصل بين الرتع واللعب.
أما في القرآن الكريم فقد جاء على لسان إخوة يوسف قال تعالى : “أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ”، فهناك رتع وهناك لعب.
والفرق بينهما أن اللعب له قواعد، كل لعبة لها قاعدة، أو حزمة من القواعد يعرفها اللاعبون. وتجد أن الأطفال حينما يبتكرون لعبة، يجلسون فيما بينهم ليتّفقوا على قواعد اللعبة ولو لمدّة دقيقة أو دقيقتين أن القاعدة هي كذا وكذا وكذا، من يفعل شيء فلاني يكون قد خرج من اللعبة، من يفعل شيء فلاني يكون قد فاز في اللعبة.
أما الرتع فنقول ترتع الشياه في المرعى، تركض، تقف، تجلس، تأكل من ذلك المرعى وكذلك الحال بالنسبة للطفل حينما يرتع، فهو يذهب إلى المساحات الخضراء، أو إلى الصحاري، أو إلى السهول والهضاب، أو إلى الجبال، أو إلى غيرها من هذه البيئات المتنوعة التي سخرها الله سبحانه وتعالى لبني آدم،
فينظر في ملكوت الله سبحانه وتعالى، ويتأمل، ويسمع إلى هديل الحمائم، وإلى زقزقة العصافير، خرير الماء، وينظر إلى الماء كيف يسير في الفلج وفي الجدول، وينظر إلى البحر الممتد، وينظر إلى المد والجزر، وغير ذلك من النظر والتأمل، كل هذا يسمّى رتعًا.
فالرتع في حقيقته هو التأمل والتدبّر والمشي، لا تضبطه قاعدة من القواعد بخلاف اللعب، وكلاهما مهم من أجل أن يتعلم الصغار.
لقد أدركنا في مدرسة القارئ العبقري أننا إن ألزمنا الطفل بيوم دراسي يمتد ليشمل صفحتيّ الليل والنّهار فهذا يعني أننا قد سلكنا طريقًا خاطئًا، ولا يمكن أن نصحّح هذا الخطأ إلا بالاقتصار على الواجبات في أثناء وجود الطالب في المدرسة؛ على أن يكون دور المنزل دورًا تقويميًا مهاريًا في كل المواد.
أما الواجبات الكتابية فمن الأولى والأوجب أن تُقضى في المدرسة، حتّى إذا رجع الطالب إلى المنزل يكون قد تفرّغ تمامًا لتنمية المهارات الأخرى :
- كالذكاء الاجتماعي.
- والذكاء اليدوي.
- والذكاء البدني.
- والذكاء الروحي.
- والذكاء التأملي.
- والذكاء التواصلي.
- وغيرها من الذكاءات.
حتى تُتاح لها الفرصة الكافية ليمارس حياته، ويشعر الطالب بأننا قد أعطيانه الفرصة ليستمتع بطفولته، وعندها فقط سيحبّ القراءة ويعشقها
١١- التدرّج سيّد الموقف:
* التدرج فطرة
كلّ شيء في الحياة لا يأتي جملة واحدة، وإنما يتكون على مراحل، فحينما يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، يخلقه طورًا بعد طور (وخلقناكم أطوارا) وهكذا حال خلق النبات، بل إن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو سبحانه قادر على خلقها في أقل من لحظة، ولكنه أراد تعليم عباده أن هذا التدرّج مطلب في كلّ شيء.
* التدرج في تعلم القراءة:
ولذلك اعتمدنا التدرج في تعليم الاطفال القراءة ، ففي مدرسة القارئ العبقري نسير مع الطّفل على هذا التدرّج:
– تدرج في المراحل:
يبدأ بالحروف ثم الحركات ثم المدود وبعدها التنوين والشدة وال التعريف
– تدرّج داخل كل مرحلة:
فالدرس الأول فيه كلمات قصيرة المقطع ثم كلمات متوسطة ثم كلمات طويلة
– تدرج في الكم الكلي:
فتجد أن عدد الكلمات يكون قليلًا ثم نتدرج في زيادتها
– تدرج في الحجم: فحجم الخط في البداية يكون كبيرا جدا ثم يصغر
١٠- المكافآت المعنوية ضرورة:
إن التيجان والكؤوس ما هي إلا عينات من المكافآت المعنوية التي أجمع التربويون وعلماء النفس على تأثيرها، وفي نصوص القرآن والسنة نصوص كثيرة تدل عليها.
فإن أردنا أن نصنع قراء محترفين فلا بد من تحويل التدريس إلى لعب فيه:
– المكافآت الفورية الصغيرة وفيه:
- التتويج
- والكؤوس
- والنجوم
- والأوشحة
- والعلاقات (الميداليات)
- والجوازات
- وغيرها
في مدرسة القارئ العبقري يبدأ التتويج بعد أن يتم العبقري مرحلة الحروف؛ إذ يتوج بتاج الحروف وبعد أن ينهي الفتحة والكسرة والضمة والسكون يتوج بتاج الحركات ثم تاج المدود ثم تاج التنوين وفي نهاية المطاف يعتلي جبهته أكبر التيجان؛ ألا وهو تاج التفوق.
ومع أن التيجان الخمسة مصنوعة كلها من الورق لكن العباقرة يبدؤون وأعينهم على #تاج_التفوق .
٩- لتعرف الطالب اسأل عن المعلم:
قديما قالوا: وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة.
وعلى قياسها نقول: وراء كل طالب متفوق معلم ملهم.
إن المدرسة الناجحة تضع معايير دقيقة لاختيار المعلمين والمعلمات؛ لاسيما في مرحلتي التعليم المبكر والحلقة الأولى.
ولذلك أنصح كل أب وأم أن يبحثوا عن المعلمات قبل أن يقرروا اختيار مدرسة لأطفالهم؛ وليكن بحثهم شاملا عن خبراتهن وعن التدريب الذي تقدمه لهن المدرسة في كيفية إلهام الأطفال والتعامل معهم، وتشجيعهم وتعزيزهم بمختلف طرق التعزيز الإيجابي
٨- ديمومة التقويم وتسلسله:
التقويم المتسلسل: تقويم لمستوى العبقري في القراءة يمارسه عدة أشخاص، بدءا من معلمته وانتهاء بأعلى قيادة تعليمية في المركز أو المدرسة.
أما الديمومة: فتعني أن يكون التقويم متكررا، فيتكرر كل شهر مرة أو مرتين، ويعرّض له العبقري كلما أتم مرحلة من مراحل المنهج.
في مدرسة القارئ العبقري نتبع معايير صارمة في تقييم العباقرة الصغار، ومع الأيام أصبحت دقة التقييم واحدة من أبرز المزايا التنافسية التي وفقنا الله إليها.
٧- زمن المشاركة:
الرابح من لا يدفع
يوتيوب .. سناب تشات .. فيسبوك .. وقائمة طويلة من المفردات التي غزت الأرض على حين غفلة من أهلها.
– ما تخصص يوتيوب؟
ستقولون: الفيديو
ولكن هل سألنا أنفسنا:
– كم فيديو تُنتج شركة يوتيوب كل يوم؟
الجواب:
– صفر .. إنها لا تنتج أي فيديو؛ هي تتيح للناس (مشاركة) الفيديو في قنواتهم.
ومثلها تفعل كل حسابات التواصل الاجتماعي؛ فالزمن زمن المشاركة.
- تعليم القراءة في زمن المشاركة
الواقع أن استفادة الأمة المسلمة من التقنية ما زالت دون الطموح، ولكن هذا لا يعني أن الموجود كله غثاء لا ينفع
ففي زمن المشاركة يمكن لمن يعاني ولده أو تلميذه من الضعف القرائي أن يستفيد من أشخاص يعيشون في أقصى الأرض؛ إما مجانا أو بنفقات يسيرة لا تكاد تُذكر.
- تجربة مركز العيسري في التعليم عن بعد
عندما حدثت جائحة كورونا أُغلِقَت كل المدارس، فكان لا بد من البحث عن بديل فسبحان من جعل الخير في بطن الشر؛ فقد كان كورونا سببًا للحصول على كفاءات في تعليم القراءة من مختلف البلاد
وكان أيضا سببا في وصول برامجنا في تعليم القراءة للأطفال إلى قرابة ٢٠ دولة.
٦- الحروف أولًا:
* النظرية الكلية
“الحروف أولًا” نقولها لأن ثمة مناهج غير عربية – خاصة مع سيادة الكتب التربوية المترجمة التي رافقت المدارس النظامية – يقول أصحابها بأن الطفل ينبغي أن يُعلم أولًا الكلمات المألوفة كيف يقرأها، ثم بعد ذلك يُعلم الحروف.
ومن أمثلة تلك النظريات نظرية فلسفية اسمها نظرية الجشطلت. أصحابها يقولون بأن الطفل يفهم الكل قبل أن يفهم الجزء، ولذلك ينبغي – وفق هذه النظرية
– أن نعلّمه كيف يقرأ كلمة (كرسي)
– قبل أن نعلمه: ك – ر – س – ي
– وقبل أن نعلمه الضمة والسكون والكسرة والشدة والتنوين
و هكذا نعلمه – حسب هذه النظرية – كلمات ( طاولة ، باب ، مطبخ ، درج ) قبل أن يتعلم ما يعتريها من حركات ومدود وشد وتنوين وال قمرية وال شمسية.
وعللوا ذلك أن الطفل يدرك الكل قبل أن يدرك الأجزاء، والكل هنا هو الكلمة، والأجزاء هي الحروف التي تتكون منها تلك الكلمة.
* إخفاق النظرية الكلية
وقد جرت محاولات كثيرة من أجل إثبات نجاح هذه النظرية، وأُنفقت أموال طائلة لمناهج منبنية عليها.
ومن تطبيقات النظرية الكلية بطاقات الكلمات السائدة المألوفة، التي يتوهم أتباع هذه النظرية أنهم يعلمون الأطفال قراءتها.
ولكن الحقيقة أن الطفل إن استطاع أن ينطق تلك الكلمات فهو يحفظها حفظًا لكنه لا يستطيع أن يقرأ كلمة واحدة غير الكلمة التي حُفِّظ إياها، فمثلًا لو علمناه ألف كلمة، ثم بعد ذلك جئنا له بخمس كلمات من غير الألف الكلمة سيبقى مثل الجمل المُحرَنجِم لا يستطيع أن يفعل شيئًا حيالها.
* تطبيق القاعدة
هذه القاعدة طبّقناها في منهج القارئ العبقري، لذلك لو جئتم معي إلى المنهج، لوجدتم في أول الصفحات لوحة للحروف المقطّعة، وهي ألف باء تاء ثاء جيم حاء .. إلى آخر حرف وفق الترتيب المشهور عند المشارقة، وهنا أود أن أقول أن هذا الترتيب ليس هو الترتيب الوحيد للحروف، فهناك ترتيب سائد عند المغاربة هناك أكثر من ترتيب، ولكن لأن معظم البلاد الإسلامية تتبعه فإننا نعلّم الطفل الحروف وفق هذا الترتيب.
٥- الحروف وحدها فقط
معظم الكتب التي تعلم القراءة تسير على نسق واحد؛ ففي الصفحة:
– اسم الحرف؛ مثل أ
– صورة شيء يبدأ بذلك الحرف مثل صورة أرنب
– كلمة تدل على ذلك الشيء؛ مثل كلمة أرنب
إن تعليم الطفل بهذه الطريقة يعني مطالبته بتنفيذ 3 عمليات ذهنية معقدة في وقت واحد؛ فهو:
1- مطالب بنقل صورة حرف الألف إلى عقله الباطن
2- وهو مطالب بنقل صورة كلمة (أرنب) إلى عقله
3- ومطالب بنقل صورة الأرنب.
* كيف يتصرف الطفل؟
دعوني أخبركم ما الذي يحدث؟
الذي يحدث أن المخ عندما يتلقى هذه الأوامر ينتقي واحدا منها لينفذه، ويؤجل الأمرين الباقيين.
وحينما يدرس الطفل حرف (ب) سيتلقى المخ 3 أوامر أخرى؛ بحفظ حرف (ب) وكلمة (بطة) وصورة البطة ، فينتقي واحدا من الأوامر ويؤجل الأمرين الباقيين.
وعندما يفرغ الطفل من دراسة الحروف ال28 فإن حصيلته النهائية ستكون خليطا من بعض الحروف وبعض الكلمات وبعض الصور (انظر إلى الشكل ….)
* ما الحل؟
الحل
- ✅ المجرب
- ✅ والسهل
- ✅ والجذري
أن يتعلم العباقرة الحروف وحدها فقط؛ فلا تكون معها كلمات ولا صور تعبر عن تلك الكلمات
فبهذا المنهج يشتغل المخ بتصوير الحروف وحدها؛ يشتغل في المرحلة الأولى بتصوير الحروف المقطعة ( ا – ب – ت – ث – ج …. ي)، ويشتغل في المرحلة الثانية بتصوير شكل الحروف
في وسط الكلمات وفي نهاياتها.
* التطبيق
في منهج (القارئ العبقري) يجد الأطفال كتبا مرسومة زاهية الألوان جميلة التصميم رائعة الإخراج.
ولكن الرسوم التي فيها لا علاقة لها بالحروف مطلقا؛ ولذلك فإن عباقرتنا الصغار لا يشتغلون بها عندما يتعلمون أشكال الحروف وأسماءها.
٤- القراءة .. ثم القراءة .. ثم الكتابة:
هذه الحقيقة تمثّل صمّام الأمان بالنسبة لنجاح تعليم القراءة، وتمثّل المفتاح السّحري بالنسبة لكثير من العقبات والصعوبات التي يواجهها الطّلاب حينما يتعلّمون القراءة.
أعلم أن هذه الحقيقة قد تكون صادمة لكثير من النّاس، لكنّها في نهاية الأمر حقيقة دلت عليها النصوص والبراهين والتجارب.
فالقراءة، ثم القراءة، ثم الكتابة.
* التطبيق
في مدرسة القارئ العبقري نخطو مع العبقري ٣ خطوات:
- جئنا إلى المنهج الذي وضعناه وسمّيناه بمنهج (القارئ العبقري) وسمينا المدرسة مدرسة القارئ العبقري
- وطلبنا من جميع أفراد الفريق من مدرّبات ومن إدرايّات ومن كل من يتعامل مع عباقرتنا الصغار بأن يصفوهم بالعباقرة ولا يُسمح بتاتًا بمناداة أي عبقري باسمه المجرّد، العبقري محمّد، العبقرية خديجة، العبقري أحمد، العبقرية عائشة، العبقري سالم، العبقرية لمياء،
- ولم يقتصر الأمر على النداء فحسب، وإنما طال كل شيء؛ فحتى سندات القبض حينما تُكتب نكتبها :استلمنا من العبقري فلان المبلغ الفلاني، واستلمنا من العبقرية فلانة المبلغ الفلاني.
ونحن ندقق باستمرار: هل الإداريات والمدربات ملتزمات بهذا الأمر أو لا، لأننا على يقين بأنه حين يقتنع كل واحد من هؤلاء الأطفال بأنه عبقري، فقد قطعنا أكثر من نصف الطريق.
٢- مراعاة الفروق الفردية
عبارة “مراعاة الفروق الفردية” طُبخت حتى احترقت، فالجميع يردّد بأننا نراعي الفروق الفردية، ولكن حينما تأتي للواقع تجد بأن مراعاة الفروق الفردية أصبحت مجرّد عبارة تُزيّن بها الكتب.
فما معنى مراعاة الفروق الفردية
إذا كانت المدارس بدءا من الحضانات ورياض الأطفال وانتهاءً بالجامعات تُقَسِّم الطلّاب وفق أعمارهم؟
فمن عمره سبع سنوات يكون في الصف الأول، ومن عمره سبعة عشر عامًا (أكمَلَها) يكون في الصف الثاني عشر، ومن أكمل المدرسة يدخل إلى السنة الولى في الجامعة.
هؤلاء الطلّاب، كيف ستراعي الفروق الفردية بينهم إذا كانوا يقسّمون حسب أعمارهم؟
* التطبيق الناجح:
لم ينجح أحد في تطبيق مراعاة الفروق الفردية كما نجحت الكتاتيب القرآنية، ومن درس منكم في كتّاب قرآني فإنه يُدرك هذا الأمر.
أذكر أنني كنت أجلس في كتّاب قرآني لأقرأ من سورة البقرة وكان عندي زميل وصل إلى سورة النساء، يجلس عن يساري وعن يميني تجلس طفلة ما زالت في الحروف الهجائية،
والمعلّم يعلّمنا جميعًا، وفي كل مرّة ينادي طفلًا من الأطفال، فهؤلاء كأنهم في صف واحد، ولكن كل واحد منهم يُعطى على قدر مستواه.
أما في المناهج الدراسية النظامية فإن مراعاة الفروق الفردية في تعليم الاطفال القراءة غير ممكنة؛ ما دام تصنيف الطلاب من أساس قائما على المراحل العمرية.
* الانتقال لدرس جديد:
إن مراعاة الفروق الفردية تعني أن انتقال الطلاب يعاملون كلا على حدة في انتقالهم من درس إلى الدرس الذي يليه.
فلو قلنا بأن سعيدا وعامرا وسالما يدرسون في صف واحد، وكلهم بدؤوا بمرحلة المد بالألف وبعد أسبوع أتمَّ سعيد ما عليه، وعامر أتم بعد أسبوعين وسالم بعد ثلاثة أسابيع.
فبحسب المناهج القائمة على مراعاة الفروق الفردية فإن سعيدا ينتقل إلى مد الياء فور إنهائه مد الألف وليس من العدل معه أن يبقى أسبوعين كاملين منتظرا عامرا وسالما أن يلحقا به.
وليس من العدل مع سالم أن يخصص المعلم أسبوعين فحسب لمد الألف؛ فينقله إلى مد الياء قبل أن يتمكن من مد الألف تمكنا تاما.
هكذا يقول المنطق والعلم والخلق، ولكن المدارس النظامية لا تعترف بذلك البتة.
* تجربتنا
في مدرسة القارئ العبقري ألغينا التقسيم حسب السن في تعليم الاطفال القراءة (منهج القارئ العبقري) وفي تدريس الكتابة بعد ذلك.
– يقضي العباقرة الأسبوع الأول كله في اللعب.
– في الأسبوع الثاني تبدأ الفروق بالظهور، فيبدأون جميعًا بحرف الألف، ولكن هذا سيقطع الطريق بسرعة وهذا يقطعه ببطء.
– بعد مرور أسبوعين تكون الفروق واضحة تماما؛ فالذين تخلفوا عن أقرانهم من مختلف الفصول نجعلهم في صف واحد، والذين تقدّموا نجعلهم في صف واحد.
– ونجد أحيانًا أن اثنين أو ثلاثة من الطلاب تفوّقوا تفوّقًا كبيرًا؛ فما زال أقرانهم في مرحلة الحروف المقطّعة وهم قد وصلوا إلى الفتحة أو الكسرة، هؤلاء نخصّص لهم مدرّسة تتدرّسهم في حصة الذكاء اللغوي القرائي.
– وفي المقابل نجد في بعض الأحيان أطفالًا يتخلّفون كثيرًا عن أقرانهم، وهؤلاء نخصص لهم معلمة تسير معهم حسبما وهبهم الله.
١- أم الحقائق:
* قائد الإنقاذ
قبل خمسة عقود كانت عمان تعيش في جهل مطبق، لاسيما ما اتصل بالشريعة الإسلامية فقها وعملا ثم نزلت رحمة الله عليها فيسر لها فريق إنقاذ تمثل في عدد من العلماء العاملين، اللذين يضيق عنهم الحصر ولكن في مقدمتهم على الإطلاق شاب وصل إليها وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وكان آنذاك قد تبحر وتضلع.
هل قلت: وصل إليها؟
نعم .. فقد وُلد في زنجبار وقضى فيها شبابه .. كانت زنجبار آنذاك مزدهرة اقتصادا، ولكن لم يتيسر لذلك الشاب أن يدرس لا في مدرسة نظامية ولا في مدرسة غير نظامية، وكل ما استطاعه أن يختلف إلى بعض المتعلمين وأضاف إليها مدة لم تصل الشهرين قضاها مع الشيخ العلامة أبي إسحاق اطفيش – رحمه الله – في زيارته الثانية إلى زنجبار.
كانت رحلة الشاب العصامي – الذي اختاره الله لعمان – في سفينة بقيت تمخر العباب ستة أيام، وخلالها قرأ (طلعة الشمس) للإمام السالمي – رحمه الله – ونسي أن الطلاب يحفظون المتون ويفهمون الشروح، فأتى على النظم والشرح كليهما حفظا وفهما وتحقيقا، كل ذلك خلال رحلته البحرية تلك.
ومرة أخرى .. لم يكن معه من البشر من يدفعه ليقرأ، أو يراجع له ما حفظ، أو يدفعه ليواصل كلال الليل بكلال النهار.
إن ذلك الشاب هو اليوم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي – حفظه الله ومتعنا بحياته وعلمه – مفتي عمان وعلامتها.
* أعجوبة من الصحراء
كان من أكبر مطامح شيخنا الخليلي أن يبعث الله لعمان وللعالم رجالات يُحق بهم الحق، وينتشر بهم العلم.
وذات يوم تلقى رسالة من شاب في الثامنة عشر، يسأل فيها عن مسألة، ولكن صياغة السؤال تنبئ أن السائل ليس مجرد طالب، بل علامة محقق.
فتضمن جواب الشيخ إجازة للسائل بأن يجتهد في المسائل ويرجح بين أقوالها، وختم الجواب بقوله: ”فالمتشجع بعلمه كالمتورع به”.
كان ذاك الفتى الشيخ العلامة سعيد بن مبروك القنوبي، حفظه الله ووفقه للخير.
والشيخ القنوبي من أسرة بدوية كانت وما تزال تعيش في الصحراء.
ومثله عدد من مشايخ العلم مثل الشيخ الدكتور محمد بن راشد الغاربي والشيخ الدكتور جابر بن علي السعدي.
* أم الحقائق : يدبر الأمر
هؤلاء الأبدال – ومثلهم كثيرون – ما صنعتهم الحقائق السابقة التي ذكرناها.
بل إن كثيرا منهم عاشوا ظروفا قاسية تخالف كل ما قلناه من قبل؛ فما نشؤوا في بيئة علم، ولا دفعهم أهلم إلى التعلم، ولا وجدوا من يقدم لهم مناهج على سنن التدرج، ومنهم من لم يدخل أي مدرسة رأسا.
ولكن الله الذي (يدبر الأمر) اختارهم وصنعهم على عينه؛ كما صنع موسى الرضيع اليتيم المحتقر في قصر فرعون الباطش المتجبر ثم أتم صنعته في صحراء مدين راعيا للغنم، وكما صنع محمدا – ﷺ – اليتيم الفقير، وكما صنع غيرهما من الأنبياء والصالحين.
وقبالة هؤلاء الأبدال رتل طويل من الطلاب الذين تهيأت لهم كل الأسباب الظاهرة للتعلم، ولكن حالهم مع حال العلماء كحال الشجر (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل)
أو كما قال الإمام نور الدين السالمي – رحمه الله – :
كم قد رأينا من فتى مجتهدِ
وهو بباب منه لما يسعدِ
وآخر لم يقْرَ إلا البعضا
وهو يفض المشكلات فضا
أو كما قال أبو مسلم البهلاني – رحمه الله – :
وتلك حظوظ للإرادة قسما
وحكمة من يختارنا ويخيرُ
* ما الخلاصة؟
خلاصة هذه الحقيقة أن علينا أن نسعى لتعليم من استرعانا الله إياهم في حدود بشريتنا (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يُرى)
و أن ندعو لهم لاسيما بما جاء في القرآن من دعاء للذرية، وقد فصلتها في كتابي (الدعاء للذرية في القرآن الكريم) وهو متاح للاحتمال برخا من هذا الرابط
فإن كتب الله لهم أن يكونوا من أهل العلم فذلك ما كنا نبغي، وإن كان مقتضى حكمته خلاف ما تشتهيه نفوسنا فنحن على يقين لا تخالطه ذرة شك بأن الخير في ما اختاره الله الحكيم.
(سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
- أولا: القراءة: فنعلم عباقرتنا الصغار القراءة وحدها متبعين منهج القارئ العبقري فيدرسون القراءة بكل مراحلها التي تبدأ بالحروف المقطعة.
- ثانيا: ثم القراءة: بعد القارئ العبقري ينتقل العباقرة إلى منهج القراءة الذكية؛ وفيها يتعلمون مهارات القراءة السريعة والعميقة.
- ثالثا: ثم الكتابة: في هذه المرحلة يدرس العباقرة القراءة الذكية ومعها (الكاتب العبقري) ثم (مهارات التعبير الكتابي).
٣- ليصبح قارئًا امنحه الثّقة:
قبل أن أذكر تفاصيل هذه الطريقة سأذكر قصة سمعتها من الشيخ خلفان العيسري – رحمه الله – وذكرتها في كتاب (٢٥ كلمة تصنع طفلًا ذكيًّا).
هذه القصة خلاصتها أن إحدى الجامعات الأمريكية أرادت أن تعرف قدر الكلمات الإيجابية التي يسمعها الأطفال في تحصيلهم الدراسي، فشُكِّل فريق للبحث واتّفقوا مع مدرسة من المدارس على أن تُعيّن فصلًا من الفصول،
فذهب مدير المدرسة إلى ذلك الفصل مع بداية العام الدراسي، وأخبرهم بأننا اكتشفنا أمرًا عجبًا وهو أن كل من في هذا الفصل هم من العباقرة، وطُلب من المعلّمين والمعلّمات ألّا يُنادوا أي طالب باسمه المجرّد،
وإنما يُقال له: يا عبقري فلان، ويا عبقرية فلانة، ويُعطونهم قدرًا من الكلمات والعبارات التشجيعية المحفّزة، وذلك الأمر كان مقصورًا على ذلك الفصل، أما بقية الفصول فقد طُلب من المدرّسين أن يستمرّوا على ما اعتادوا عليه.
وحينما جاءت نهاية العام الدراسي، وجدوا أن ذلك الفصل بالفعل تحوّل إلى شعلة من النشاط ومن التفوّق ومن التحصيل الدراسي المتقدّم.
وفي العام الذي جاء بعده دخل مدير المدرسة على نفس ذلك الفصل الدّراسي، وقال أريد أن أُخبركم بحقيقة مرّة، ولكن مع مرارة هذه الحقيقة لا بد من أن تتحمّلوها، وهي أن فصلكم لا يختلف عن باقي الفصول بشيء، فيكم الذكي جدًا، وفيكم الذكي، وفيكم متوسط الذكاء، وفيكم من هو دون ذلك،
وطُلب من المعلّمين والمعلّمات أن يعودوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك، كل واحد من الطّلاب والطالبات يُنادى باسمه المجرّد، فكانت النتيجة أن ذلك الفصل رجع مستواه ليكون مثل بقية الفصول الموجودة في المدرسة، لا يختلف عنهم بشيء.
ولذلك كانت حصيلة تلك الدراسة أن الكلمات المحفزة التي يسمعها الطفل أثناء التحصيل الدراسي لا بد من أن تؤثر عليه تأثيرًا كبيرًا في تحصيله، وهذا ما نطلق عليه الحقيقة الخامسة: ليصبح قارئًا امنحه الثّقة.
* التطبيق
حينما آمنّا بهذا الأمر؛
- جئنا إلى المنهج الذي وضعناه وسمّيناه بمنهج (القارئ العبقري) وسمينا المدرسة مدرسة القارئ العبقري
- وطلبنا من جميع أفراد الفريق من مدرّبات ومن إدرايّات ومن كل من يتعامل مع عباقرتنا الصغار بأن يصفوهم بالعباقرة ولا يُسمح بتاتًا بمناداة أي عبقري باسمه المجرّد، العبقري محمّد، العبقرية خديجة، العبقري أحمد، العبقرية عائشة، العبقري سالم، العبقرية لمياء،
- ولم يقتصر الأمر على النداء فحسب، وإنما طال كل شيء؛ فحتى سندات القبض حينما تُكتب نكتبها :استلمنا من العبقري فلان المبلغ الفلاني، واستلمنا من العبقرية فلانة المبلغ الفلاني.
ونحن ندقق باستمرار: هل الإداريات والمدربات ملتزمات بهذا الأمر أو لا، لأننا على يقين بأنه حين يقتنع كل واحد من هؤلاء الأطفال بأنه عبقري، فقد قطعنا أكثر من نصف الطريق.
٢- مراعاة الفروق الفردية
عبارة “مراعاة الفروق الفردية” طُبخت حتى احترقت، فالجميع يردّد بأننا نراعي الفروق الفردية، ولكن حينما تأتي للواقع تجد بأن مراعاة الفروق الفردية أصبحت مجرّد عبارة تُزيّن بها الكتب.
فما معنى مراعاة الفروق الفردية
إذا كانت المدارس بدءا من الحضانات ورياض الأطفال وانتهاءً بالجامعات تُقَسِّم الطلّاب وفق أعمارهم؟
فمن عمره سبع سنوات يكون في الصف الأول، ومن عمره سبعة عشر عامًا (أكمَلَها) يكون في الصف الثاني عشر، ومن أكمل المدرسة يدخل إلى السنة الولى في الجامعة.
هؤلاء الطلّاب، كيف ستراعي الفروق الفردية بينهم إذا كانوا يقسّمون حسب أعمارهم؟
* التطبيق الناجح:
لم ينجح أحد في تطبيق مراعاة الفروق الفردية كما نجحت الكتاتيب القرآنية، ومن درس منكم في كتّاب قرآني فإنه يُدرك هذا الأمر.
أذكر أنني كنت أجلس في كتّاب قرآني لأقرأ من سورة البقرة وكان عندي زميل وصل إلى سورة النساء، يجلس عن يساري وعن يميني تجلس طفلة ما زالت في الحروف الهجائية،
والمعلّم يعلّمنا جميعًا، وفي كل مرّة ينادي طفلًا من الأطفال، فهؤلاء كأنهم في صف واحد، ولكن كل واحد منهم يُعطى على قدر مستواه.
أما في المناهج الدراسية النظامية فإن مراعاة الفروق الفردية في تعليم الاطفال القراءة غير ممكنة؛ ما دام تصنيف الطلاب من أساس قائما على المراحل العمرية.
* الانتقال لدرس جديد:
إن مراعاة الفروق الفردية تعني أن انتقال الطلاب يعاملون كلا على حدة في انتقالهم من درس إلى الدرس الذي يليه.
فلو قلنا بأن سعيدا وعامرا وسالما يدرسون في صف واحد، وكلهم بدؤوا بمرحلة المد بالألف وبعد أسبوع أتمَّ سعيد ما عليه، وعامر أتم بعد أسبوعين وسالم بعد ثلاثة أسابيع.
فبحسب المناهج القائمة على مراعاة الفروق الفردية فإن سعيدا ينتقل إلى مد الياء فور إنهائه مد الألف وليس من العدل معه أن يبقى أسبوعين كاملين منتظرا عامرا وسالما أن يلحقا به.
وليس من العدل مع سالم أن يخصص المعلم أسبوعين فحسب لمد الألف؛ فينقله إلى مد الياء قبل أن يتمكن من مد الألف تمكنا تاما.
هكذا يقول المنطق والعلم والخلق، ولكن المدارس النظامية لا تعترف بذلك البتة.
* تجربتنا
في مدرسة القارئ العبقري ألغينا التقسيم حسب السن في تعليم الاطفال القراءة (منهج القارئ العبقري) وفي تدريس الكتابة بعد ذلك.
– يقضي العباقرة الأسبوع الأول كله في اللعب.
– في الأسبوع الثاني تبدأ الفروق بالظهور، فيبدأون جميعًا بحرف الألف، ولكن هذا سيقطع الطريق بسرعة وهذا يقطعه ببطء.
– بعد مرور أسبوعين تكون الفروق واضحة تماما؛ فالذين تخلفوا عن أقرانهم من مختلف الفصول نجعلهم في صف واحد، والذين تقدّموا نجعلهم في صف واحد.
– ونجد أحيانًا أن اثنين أو ثلاثة من الطلاب تفوّقوا تفوّقًا كبيرًا؛ فما زال أقرانهم في مرحلة الحروف المقطّعة وهم قد وصلوا إلى الفتحة أو الكسرة، هؤلاء نخصّص لهم مدرّسة تتدرّسهم في حصة الذكاء اللغوي القرائي.
– وفي المقابل نجد في بعض الأحيان أطفالًا يتخلّفون كثيرًا عن أقرانهم، وهؤلاء نخصص لهم معلمة تسير معهم حسبما وهبهم الله.
١- أم الحقائق:
* قائد الإنقاذ
قبل خمسة عقود كانت عمان تعيش في جهل مطبق، لاسيما ما اتصل بالشريعة الإسلامية فقها وعملا ثم نزلت رحمة الله عليها فيسر لها فريق إنقاذ تمثل في عدد من العلماء العاملين، اللذين يضيق عنهم الحصر ولكن في مقدمتهم على الإطلاق شاب وصل إليها وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وكان آنذاك قد تبحر وتضلع.
هل قلت: وصل إليها؟
نعم .. فقد وُلد في زنجبار وقضى فيها شبابه .. كانت زنجبار آنذاك مزدهرة اقتصادا، ولكن لم يتيسر لذلك الشاب أن يدرس لا في مدرسة نظامية ولا في مدرسة غير نظامية، وكل ما استطاعه أن يختلف إلى بعض المتعلمين وأضاف إليها مدة لم تصل الشهرين قضاها مع الشيخ العلامة أبي إسحاق اطفيش – رحمه الله – في زيارته الثانية إلى زنجبار.
كانت رحلة الشاب العصامي – الذي اختاره الله لعمان – في سفينة بقيت تمخر العباب ستة أيام، وخلالها قرأ (طلعة الشمس) للإمام السالمي – رحمه الله – ونسي أن الطلاب يحفظون المتون ويفهمون الشروح، فأتى على النظم والشرح كليهما حفظا وفهما وتحقيقا، كل ذلك خلال رحلته البحرية تلك.
ومرة أخرى .. لم يكن معه من البشر من يدفعه ليقرأ، أو يراجع له ما حفظ، أو يدفعه ليواصل كلال الليل بكلال النهار.
إن ذلك الشاب هو اليوم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي – حفظه الله ومتعنا بحياته وعلمه – مفتي عمان وعلامتها.
* أعجوبة من الصحراء
كان من أكبر مطامح شيخنا الخليلي أن يبعث الله لعمان وللعالم رجالات يُحق بهم الحق، وينتشر بهم العلم.
وذات يوم تلقى رسالة من شاب في الثامنة عشر، يسأل فيها عن مسألة، ولكن صياغة السؤال تنبئ أن السائل ليس مجرد طالب، بل علامة محقق.
فتضمن جواب الشيخ إجازة للسائل بأن يجتهد في المسائل ويرجح بين أقوالها، وختم الجواب بقوله: ”فالمتشجع بعلمه كالمتورع به”.
كان ذاك الفتى الشيخ العلامة سعيد بن مبروك القنوبي، حفظه الله ووفقه للخير.
والشيخ القنوبي من أسرة بدوية كانت وما تزال تعيش في الصحراء.
ومثله عدد من مشايخ العلم مثل الشيخ الدكتور محمد بن راشد الغاربي والشيخ الدكتور جابر بن علي السعدي.
* أم الحقائق : يدبر الأمر
هؤلاء الأبدال – ومثلهم كثيرون – ما صنعتهم الحقائق السابقة التي ذكرناها.
بل إن كثيرا منهم عاشوا ظروفا قاسية تخالف كل ما قلناه من قبل؛ فما نشؤوا في بيئة علم، ولا دفعهم أهلم إلى التعلم، ولا وجدوا من يقدم لهم مناهج على سنن التدرج، ومنهم من لم يدخل أي مدرسة رأسا.
ولكن الله الذي (يدبر الأمر) اختارهم وصنعهم على عينه؛ كما صنع موسى الرضيع اليتيم المحتقر في قصر فرعون الباطش المتجبر ثم أتم صنعته في صحراء مدين راعيا للغنم، وكما صنع محمدا – ﷺ – اليتيم الفقير، وكما صنع غيرهما من الأنبياء والصالحين.
وقبالة هؤلاء الأبدال رتل طويل من الطلاب الذين تهيأت لهم كل الأسباب الظاهرة للتعلم، ولكن حالهم مع حال العلماء كحال الشجر (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل)
أو كما قال الإمام نور الدين السالمي – رحمه الله – :
كم قد رأينا من فتى مجتهدِ
وهو بباب منه لما يسعدِ
وآخر لم يقْرَ إلا البعضا
وهو يفض المشكلات فضا
أو كما قال أبو مسلم البهلاني – رحمه الله – :
وتلك حظوظ للإرادة قسما
وحكمة من يختارنا ويخيرُ
* ما الخلاصة؟
خلاصة هذه الحقيقة أن علينا أن نسعى لتعليم من استرعانا الله إياهم في حدود بشريتنا (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يُرى)
و أن ندعو لهم لاسيما بما جاء في القرآن من دعاء للذرية، وقد فصلتها في كتابي (الدعاء للذرية في القرآن الكريم) وهو متاح للاحتمال برخا من هذا الرابط
فإن كتب الله لهم أن يكونوا من أهل العلم فذلك ما كنا نبغي، وإن كان مقتضى حكمته خلاف ما تشتهيه نفوسنا فنحن على يقين لا تخالطه ذرة شك بأن الخير في ما اختاره الله الحكيم.
(سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)